تقوم الاستراتجية المغربية الأمنية لمحاربة الإرهاب والإسلام الراديكالي، على أهمية وفعالية العمليات الاستباقية الرامية لمواجهة مخاطر التهديد الإرهابي المحدق بالمملكة، خصوصا في سياق حرص التنظيمات الإرهابية العالمية والفروع الجهوية التابعة لها على الرفع من محاولاتها التي تستهدف أمن المملكة وسلامة مواطنيها ومؤسساتها السيادية.
ويلعب المغرب، الذي يقع عند مفترق الطرق بين أفريقيا وأوروبا والعالم العربي، دورا جيوستراتيجيا حيويا باعتباره حجر الزاوية في الاستقرار الإقليمي والدولي، لكن هذا الموقع المحوري يعرّض المغرب في المقابل أيضا لطموحات التوسع التي تنتهجها الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء عبر استقطاب عناصر جديدة غير معروفة ومتنوعة المشارب والطبقات الاجتماعية من أجل تنفيذ عمليات تستهدف العمق المغربي، وتسعى جاهدة لتحطيم صورة المناعة الأمنية التي بنتها المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني طوال السنوات الماضية.

وفي هذا الإطار تأتي عملية أمس الجمعة التي أدت إلى كشف مخطط إرهابي خطير يستهدف العاصمة الرباط، فمن خلال المعلومات الاستخباراتية الدقيقة التي وفرتها المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، تمكن المكتب المركزي للأبحاث القضائية أمس الجمعة، من توقيف طالبة متطرفة موالية لتنظيم “داعش” الإرهابي، تبلغ من العمر 21 سنة وتتابع دراستها في أحد المعاهد التقنية العليا، وذلك للاشتباه في تورطها في الإعداد والتحضير لتنفيذ مخطط إرهابي بالغ الخطورة يستهدف المساس الخطير بالنظام العام.
عمليات استباقية تصنع المناعة الأمنية المغربية
يُصنف المغرب في مؤشر الإرهاب على أنه من الدول “المنعدمة التأثير” من حيث التهديدات الإرهابية، حيث احتل المرتبة 89 عالمياً (المرتبة الأخيرة) في تقرير عام 2024 الصادر عن المعهد الأسترالي للاقتصاد والسلام. ويعكس هذا التصنيف نجاح المقاربة المغربية في التعامل مع الظاهرة الإرهابية، حيث أن المراتب الأولى في التصنيف تشير إلى الدول الأكثر تضرراً من الإرهاب.
وتشير التقارير الدولية بهذا الخصوص إلى أن منطقة شمال أفريقيا، بما فيها المغرب، تواجه خطرًا متزايدًا من من الظاهرة الجهادية، حيث تستمر الجماعات الإرهابية والأفراد المرتبطون بمناطق النزاع بتهديد شن هجمات، وعلى الرغم من ذلك، فإن تصنيف المغرب في مرتبة متأخرة في مؤشر الإرهاب يعكس الجهود المبذولة من طرف المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني ومؤسساتها الموازية في مكافحة الإرهاب وتعزيز الأمن والاستقرار.

ولولا العمليات الاستباقية بناء على المعلومات الاستخباراتية الدقيقة لما تحقق هذا المؤشر، ومن ضمنها عملية الرباط أمس وقبلها عملية الدار البيضاء الدقيقة وعمليات أخرى شملت كل جهات المملكة وبإشراف شخصي مباشر من المدير العام عبد اللطيف حموشي.
وتشير المعلومات الأولية المتوصل بها إلى غاية هذه المرحلة من التحقيق بخصوص عملية الطالبة الداعشية في العاصمة، أن المشتبه فيها انخرطت فعليا في التحضير لمشاريع إرهابية من خلال اكتساب خبرات في مجال المتفجرات وإعداد السموم، وتوفير بعض المعدات اللازمة لذلك، في أفق القيام بعملية إرهابية حددت كهدف آني لها إحدى المنشآت الدينية الموجودة بالرباط.
وقد مكنت عملية التفتيش المنجزة في هذه القضية من العثور بحوزة الطالبة المشتبه فيها على مواد قابلة للاشتعال، ومخطوطات تتضمن تحريضا على التطرف، فضلا عن كتب تروج للتعصب والغلو والعنف.
وبنفس الحرص على الأمن، تحرص المديرية العامة على احترام المساطر المتعلقة بحقوق الإنسان ومعها الإجراءات القانونية المتبعة، فقد تم الاحتفاظ بالمشتبه فيها تحت تدبير الحراسة النظرية رهن إشارة البحث القضائي الذي يجريه المكتب المركزي للأبحاث القضائية تحت إشراف النيابة العامة المكلفة بقضايا الإرهاب، وذلك للكشف عن الجهة المتورطة في استقطابها وبلوغها هذه المرحلة المتقدمة من التطرف، وكذا رصد ارتباطاتها المحتملة مع مختلف التنظيمات الإرهابية.
اعتراف دولي واسع بالجهود الأمنية المغربية
تجسد عملية الرباط النوعية، وقبلها عمليات أخرى داخل وخارج التراب الوطني، أهمية التعاون الدولي بين المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني ومثيلاتها من المؤسسات الأمنية الإقليمية والدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة وإسبانيا وبلجيكا وفرنسا وحتى دول الخليج.
وقد جاءت عملية الرباط في سياق تعاون عملياتي وتنسيق معلوماتي بين المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني والأجهزة الاستخباراتية الفرنسية، وهو ما مكن من التعرف على هوية المعنية بالأمر ورصد مخططاتها المتطرفة، وبالتالي إفشال مخططها الإرهابي قبل انتقالها للتنفيذ المادي.
هذا التعاون الثنائي الوثيق بين مصالح المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني والمصالح الأمنية والاستخباراتية الفرنسية في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف، كان قد توج بالتوقيع على مخطط عمل مشترك بين المديرية العامة للأمن الوطني المغربي والمديرية العامة للشرطة الوطنية الفرنسية.
ويهدف هذا المخطط إلى وضع خارطة طريق لمواجهة الجريمة المنظمة العابرة للحدود، بما في ذلك مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، وتعقب المطلوبين دوليًا وتوقيف الأشخاص في حالة فرار، وكذلك إنشاء مجموعات عمل مشتركة لتعزيز التنسيق الأمني، وأساسا تبادل المعلومات وتعزيز التكوين والتدريب، مما يعزز التعاون التاريخي بين البلدين، ويفتح آفاق جديدة لشراكة استراتيجية مستدامة تدعم الأمن المشترك.

وعلى هامش توقيع هذا المخطط الاستراتيجي، تم توشيح عبد اللطيف حموشي، المدير العام للأمن الوطني ومديرية مراقبة التراب الوطني، بوسام جوقة الشرف من درجة ضابط، وهو أعلى وسام تمنحه الجمهورية الفرنسية.
وهذا التكريم الرفيع ليس مجرد اعتراف رمزي، بل هو رسالة سياسية وأمنية بليغة تؤكد مكانة المغرب كشريك موثوق وأساسي في حفظ الأمن الإقليمي والدولي، كما يجسد الاحترام الكبير الذي تحظى به المؤسسة الأمنية المغربية لدى كبار صناع القرار في باريس وباقي العواصم الدولية.